السؤال:
لي صديق يعجبني كثيرا، وأحب تقليده في كل شيء، ولكن سمعت من يتكلم علينا بسبب ذلك، فهل أنا على خطأ، أرجوكم ساعدوني فأنا لا أتحمل كلام الناس. وشاكرين لكم تجاوبكم معي.
الجواب:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد: فإن الصداقة شيء جميل، ولكن الإسلام شدد علينا في ضرورة اختيار الصديق الصالح فقال الله تعالى في كتابه الكريم: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [الزخرف: 67]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة» متفق عليه، وقال أيضا: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني.
وقال الشاعر:
لا تسل عن المرء وسل عن خله *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولكن اسمح لي أخي الكريم، فإن الصداقة لا تعني التقليد، ولا ضير أن تقلد صديقك في فعل الخير، كأن تحافظ على الصلاة في المسجد في جماعة مثلما يفعل، أو أن تحرص على صيام النافلة (الإثنين والخميس من كل أسبوع)، أن تبر والديك مثلما يبر هو والديه، أو أن تصل رحمك مثلما يفعل... إلخ، فهذا تقليد محمود يثاب عليه صاحبه كما يثاب عليه أيضا من قلدته، ويؤجر عليه رغم أنفه، قال صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا» رواه مسلم في صححيه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم.
أما التقليد المذموم الذي ينهانا عنه ديننا الإسلامي الحنيف، فهو التقليد الأعمى، الذي لا ينال المسلم منه أجرا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا النوع من التقليد الممقوت الذي يدمر شخصية المقلد- بكسر اللام- فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن قال : «لا يكونن أحدكم إمعة قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: تقول: إنما أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطنن أحدكم نفسه على أن كفر الناس أن لا يكفر» رواه الطبراني في الكبير.
فلا غرو أن تكون معجبا بإيمان صديقك أو بأخلاقه أو باستقامته أو بطاعته لله عز وجل وتعمل على تقليده فيما يفعل من خصال الخير، لكن أحذر أن تتحول بمرور الأيام إلى مقلد أعمى، كما أن هذا التقليد قد يدمر ثقتك بنفسك أنت، فأنت- أخي الفاضل- بحاجة إلى أن تبن شخصيتك بناءا سليما، ومن اجل هذا فإنه يجب عليك أن تفكر قبل أن تقلد، واسأل نفسك: هل هذا الشيء الذي أود أن أقلد صديقي فيه يناسبني ويلائمني أم لا؟.
وأقول لك: قف مع نفسك وقفة شجاعة، حدد ما ينفعك ويناسبك فافعله، وما لا ينفعك ولا يناسبك فاتركه على الفور، لا تفعل شيئا لمجرد أنك رأيت فلانا يفعله، اجتهد أن تكون لك شخصية مستقلة، كما أنك كيان مستقل، ووطن نفسك، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا اجتنب إساءتهم، ولا تكترث كثيرا بكلام الناس فقد أراحنا الشاعر منه بقوله: ما أحد من أسن الناس سالما وإن كان ذاك النبي المطهر إن كان صديقا يقولون أكذب وإن كان وإن كان صوامًا وبالليل قائما يقولون كذاب يرائي ويخدع فلا تكترث بالناس في الذم والثناء وتوكل على الله والله اكبر وختاما؛ أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، وأن يجعلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
الكاتب: همام عبدالمعبود.
المصدر: موقع المسلم.